قرب مني اكتر وحط إيده على كتفي وهو بيقولي..
-اخوك مصطفى.. بقاله فترة تعبان ومابيجيش الشغل، ولما سألت اخوك طه عليه النهاردة الصبح، قال لي إن مرضه بيزيد وإنه…
قاطعته قبل ما يكمل كلامه..
-إنه أيه يا ريس، لا مش إنه ولا حاجة، انا اخويا الحمد لله يعني بيتعافى وكلها يومين وهينزل الشغل، انا براعيه وباخد بالي منه، وطه تقريبًا مايعرفش عنه حاجة خالص.. ماتقلقش ياريس، يومين بالظبط وهيرجع الشغل تاني.
لما قولتله كده، بص لي بنظرة مليانة خُبث،
شيطان وانا عارفه.. أكيد مستني اخويا يموت عشان ياخد أعضاؤه ويديها للسماسرة اللي بيجوا مع المراكب من برة، ولا
ليه يستناه لما يموت.. ده أبليس، يعني ممكن اوي يبعت الغفر يخطفوه وهو عايش من ورانا، ويقطعه حتت ويستبدله بأكل!
الأفكار كانت بتنهش في عقلي زي المجاذيب، بصيتله وبلعت ريقي بقلق وهو بيقولي وعلى وشه نفس الابتسامة اللي مش في محلها خالص..
-ماشي يا ابو حنفي.. ماشي، بس اعمل حسابك إنه لو مارجعش كمان يومين، هروحله بنفسي انا والغفر عشان… عشان نطمن عليه، ولا ايه!.. مش زيارة المريض اللي قرب يموت برضه واجب، ولا
انت فاكرني مابفهمش في الأصول.
حاولت اتماسك قصاده وامسك نفسي كده عشان مايبانش إن انا بكدب، ابتسمت في وشه ابتسامة صفرا شبه ابتسامته..
-لا طبعًا..
انت ابو الأصول والواجب، لكن ماتقلقش.. اخويا حالته مش محتاجة لأي زيارات، وزي ما وعدت حضرتك، كلها يومين بالظبط وهيكون
موجود.
بص لي من فوق لتحت وسابني ومشي، رجعت مكاني تاني وقعدت عشان اكمل أكل، بس انا وقتها دماغي ماكانتش مع الأكل خالص.. انا كل تفكيري كان هناك.. في البيت مع مصطفى اخويا ومرضه، وكمان مع طه وكلامه ومن بعده كلام شفيع.. انا كده اخويا في خطر، ممكن اوي شفيع مايستناش ويبعت الغفر ياخدوا مصطفى وهو حي، وده بالاتفاق مع طه.. انا مش هينفع اسيب مصطفى في البيت، هو كده كده لا هيتحسن ولا نيلة، انا شايف إنه كل يوم بيسوء اكتر من اليوم اللي قبله، واحتمالية موته بقت اكبر بكتير من احتمالية إنه يخف!
دقايق فضلت سرحان وانا بفكر فيهم ممكن اعمل ايه، لحد ما بعد تفكير لفترة، ربنا ألهمني بفكرة… ميلت على هادي زميلي اللي كان قاعد جنبي وقولتله بصوت واطي اوي عشان ماحدش يسمعنا..
-هادي.. انا اخويا مصطفى في خطر، شفيع عايز ياخد جتته وهو عايش لأنه تعبان، وطبعًا
انت عارف اللي غفر بياخدوه، جتته بيتعمل فيها ايه.. فبالله عليك يا أخي، بالله عليك ساعدني عشان انقذه.
وقف بوق هادي عن المضغ وركز
معايا بودانه وهو باصص قدامه عشان ماحدش يشك فينا..
-قولي.. اساعدك ازاي، مصطفى ده زي اخويا الكبير وانا مارضاش إنه يتباع أعضاء وهو حي.
عملت نفسي إن انا باكل وقولتله بنفس الصوت الواطي..
-انا دلوقتي هصرخ، هقوم امسك بطني وافضل اصرخ وهقول للغفر إن انا تعبان اوي وعاوز اروح لمركز الأسعاف.. وطبيعي هم هيبعتوا حد
معايا من العمال زي ما متعودين لما حد بيتعب في وقت الشغل، وقتها
انت هتقرب مني وهتمسك فيا وهتبقى مصمم إنك تساعدني وتوصلني، وطبعًا لما نخرج من هنا، انا هروح على البيت وهاخد اخويا وهخبيه في اي حتة بعيدة عن نظر الغفر وشفيع، وانت هترجع على هنا تاني على هنا وتقولهم إن المسعفين في مركز الاسعاف، قالوا إن انا تعبان ولازم اروح البيت ارتاح.. وطبعًا هتقولهم إنك وصلتني البيت وبعد ما اطمنت عليا رجعت الشغل من تاني.. اتفقنا؟!
هز لي هادي راسه بالموافقة..
-اتفقنا.. اتفقنا يا ابن الجنية، بس يارب تيجي زي ما احنا عايزين.
في الوقت ده ومن غير أي مقدمات، قومت وقفت وحطيت إيدي على بطني وفضلت اصرخ..
-اااه.. بطني، همووت.. الحقوني، الألم.. الألم فظيع، ااه..
اتلموا عليا الغفر والعمال، الكل كان بيحاول يفهم مالي، وكل واحد بقى كان بيقول كلمة.. اللي يقول ده جاله فيرس من الفيروسات المنتشرة الأيام دي، واللي يقول ده اتسمم ولازم يروح مركز الأسعاف، واللي يعيد واللي يزيد.. لحد ما اتدخل واحد من قادة الغفر اللي بيحرسوا المولد وقال بصوت عالي..
-شكلها حالة تسمم.. حد ياخده ويروح معاه لمركز الأسعاف.
اتدخل هادي ورفع إيديه..
-ايوة يا فندم.. انا ممكن اساعده واشيله لحد مركز الأسعاف.
بص له القائد من فوق لتحت وقال له وهو بيهز دماغه..
-ماشي.. خده يا هادي ووديه مركز الأسعاف، وبعد ما تطمن عليه، ترجع
انت وهو تاني على هنا، ولو قالوا لك إنه
لازم يبات في المركز او يروح البيت، سيبه هناك او وصله بيته وبعد كده تعالى على هنا.
وطبعًا من غير أي تفكير.. سمع هادي كلام القائد وخرجنا انا وهو من المنطقة اللي فيها المولد، ومع خروجنا وعشان نسبك الدور كويس، عديت على مسعف في مركز الأسعاف واديته تفحاية كنت حطتها في جيبي وقت الغدا.. وبعد ما اديتهاله قولتله إن لو حد من الغفر جه وسأل عني، قول له إنك كشفت عليا ولقتني عندي حالة تسمم، وعشان كده ادتني دوا وخلتني اروح البيت.. فرح طبعًا المسعف بالتفحاية، وانا روحت انا وهادي على البيت اللي وصلني لحد بابه وبعد كده رجع هو على المولد..
طلعت البيت وانا بتسحب زي الحرامية عشان طه مايصحاش، دخلت على أوضة مصطفى وحاولت اصحيه بالراحة لأنه كان نايم..
-مصطفى.. يا درش، اصحى يا مصطفى، يا مصطفى قوم..
لكنه ماكنش بيرد عليا، ففضلت ازقه شمال ويمين على أمل إنه يقوم من النوم.. لكنه ماقامش، لا حياة لمن تُنادي!
حطيت إيدي على رقبته وودني على صدره، فضلت مذهول للحظات وانا مش مصدق، الدموع غصب عني نزلت من عينيا وانا باخده في حضني وبقول بصوت واطي..
-لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنَ لله وإنَ إليه رَاجعون.. الله يرحمك يا مصطفى، الله يرحمك يا اخويا.. بس لا.. انا مش هسيبك هنا لحد ما ياخدوك مني بالعافية، انا هدفنك.. هدفنك في مكان بعيد زي ما وصتني.
قومت من جنبه وانا بلف في الشقة زي المجنون، اعمل ايه وانزل بيه ازاي من غير ما حد يشوفني ويبلغ الغفر، خدت حوالي ربع ساعة لحد ما جت لي فكرة كويسة اوي… جيبت شوال كبير من القماش كنت بشيل فيه أوراقي المهمة والحاجات اللي بحب احتفظ بيها، فضيتها كلها تحت سريري بالراحة وخدت الشوال وحطيت فيه جثة اخويا مصطفى وربطته كويس اوي.
جرجرت الشوال لحد باب البيت وانا بتلفت حواليا، الخوف والقلق من إن طه يصحى ويشوفني ويغدر بيا، كان مخليني بتصرف بكل حذر.. وفعلًا نجحت في اللي كنت بخطط له، انا
خرجت الشوال اللي فيه مصطفى برة البيت وفضلت ماشي بيه في الشارع وانا شايله، كنت ماشي في الشوارع الضلمة اللي مليانة برك من الطينة واكوام من الزبالة وانا ببكي.. تملي كان عندي اعتقاد بأن الشر اللي في العالم اساسه هو البشر، وكمان كان عندي اعتقاد بأن نهايتنا المأساوية هتبقى على إيدينا احنا.. واديني اهو، بداية النهاية لحياتي بتبدأ.. بتبدأ بموت اخويا اللي فضلت شايله على كتفي لحد ما وصلت لمكان صحراوي بعيد، حطيت الشوال على الأرض وخرجته منه، مافيش كفن.. مافيش مايه نضيفة يتغسل بيها، بصيت له وانا الدموع نازلة زي الشلالات من عيوني، لحظات وتماسكت، روحت ناحية مكان رملي وابتديت احفر بإيديا وبكل قوة… خدت وقت كبير في الحفر لحد ما وصلت لعمق معقول، بعد كده رَجعت جسم اخويا تاني جوة الشوال القماش وكأنه كفن.. كانت راسه لسه برة الشوال، بوست جبهته وقولتله وانا لسه بعيط زي العيل الصغير اللي بيودع كل أهله..
-هتوحشني يا مصطفى، هتوحشني يا حبيبي.. بس تعرف، انا برضه مش زعلان اوي.. اه مش زعلان لأني نفذتلك وصيتك ودفنتك زي ما كنت بتتمنى.
قولتله كلامي ده وغطيت راسه ودفنته في الحفرة، وزي ما حفرت زي ما ردمت.. وفي النهاية الحفرة اتقفلت وقعدت جنبها وانا ببكي، إيديا كانت بدأت تنزف من كتر الحفر والردم، لكن احساس الألم اللي جوة قلبي، كان اكبر بكتير من الألم اللي انا حاسه في إيديا من بعد الحفر، مسحت الدموع من على عينيا وبصيت للغيوم السودة اللي في السما وابتديت اتكلم معاها وكأنها أنسان قدامي..
-النجوم والشمس والقمر وأهلي، كلكوا اختفيتوا من غير ما اكون عامل حسابي لغيابكوا.. نَعم كتيرة كنا عايشين فيها اختفت، النهار.. المايه النضيفة، الأهل، كلها نَعم من ربنا ماحستش بقيمتها إلا لما اختفت، ياارب.. يارب عَجل بالنهاية يأما بالفرج.
سكتت وفضلت سرحان في الغيوم، افتكرت كلام مصطفى قبل ما يموت عن إن الدنيا لو رجعت زي ما كانت، هل هبقى سعيد وهيبقى عندي أمل في بكرة ولا لأ.. تسوى ايه الدنيا من غير أهلي وحبايبي اللي راحوا، فوقت بعد شوية على صوت المطر الاسود اللي نزل من السما زي الدموع المتكحلة بسواد الهم والحزن، قومت من مكاني ومشيت في الشوارع وانا هايم.. رجليا فضلت ماشية لحد ما روحت البيت، فتحت
الباب ودخلت.. واول ما فتحت النور، لقيت الصالة مليانة غفر واخويا طه واقف وسطهم، عينيه كانت مليانة دموع وشاورلهم عليا..
-اهو رجع.. اسألوه هو بقى عن مصطفى وسيبوني.
بص رئيس الغفر اللي موجودين لإيديا، كان واضح إنهم مليانين تراب ومجروحين، حاولت اروح ناحية
الباب عشان اخرج، لكن في اللحظة دي اتلم عليا اتنين من الغفر ومسكوني بكل قوة،
بعدها مسك القائد بتاعهم لاسلكي من اللي بيبقوا مع الغفر واتكلم فيه وهو بيبصلي اوي..
-ايوة يا ريس يا شفيع، شكل اخوه مات وهو راح دفنه.
رد عليه شفيع من الناحية التانية..
-خلاص.. طالما دفن اخوه يبقى ناخده هو بداله، هاتوه على الهنجر.
وأول ما قال كلمة الهنجر دي حسيت بخبطة قوية اوي على راسي،
بعدها الدنيا ضلمت من حواليا!!!
ماعرفش فقدت الوعي قد ايه، انا كل اللي اعرفه إني أول ما فوقت وفتحت عيني، لقيت نفسي مرمي في مكان قذر.. ولما بقولك مكان قذر، فانا اقصد إنه أقذر من الشوارع والحياة اللي براه، مكان فيه ريحة قذرة، حواليا ناس شِبه أموات، إيديهم ورجليهم متكتفين زي حالاتي، حاولت اقوم او اقاوم او حتى افك نفسي، بس ماعرفتش.. فضلت اصرخ بعلو صوتي لحد ما دخل عليا تلاتة من الغفر ومن وسطهم ظهر شفيع، كان ماسك لاسلكي في إيده، بص للناس اللي مرمين على الأرض حواليا وبعد كده قرب مني وقال لي وهو بيضحك ضحكة خفيفة..
-غبي.. روحت دفنته عشان مانوصلش لجثته ولا ناخد أعضاؤه، طب تعرف إن انا والله كنت ناوي بعد ما اخده أديكوا أكل يكفيكوا لمدة شهر!.. ومش بس كده، ده انا كمان كنت هديكوا ماية نضيفة وروايح ولبس نضيف، إنما تقول ايه بقى، غبي.. كنت اسمع كلام اخوك طه،
لازم تعمل فيها ناصح يعني.. يا ابني ده الحي ابقى من الميت، وانت اهو.. اديك دلوقتي
موجود وسط العبيد وهتتسلم للمركب اللي جاية كمان شوية، وفي مقابل كده هناخد أكل ولبس واي حاجة ممكن تساعدنا في إننا نفضل عايشين، يلا.. عشان تبقى تعمل فيها بطل بعد كده.
حاولت افك نفسي من تاني وانا برد عليه بغِل وكره..
-طب فكني.. فكني طيب وانا اوريك مين فينا العبد ومين فينا سيده،
انت مش راجل يا شفيع،
انت بتتحامى في شوية الغفر اللي حواليك دول، إنما
انت من غيرهم ولا تسوى، وصدقني انا اه بطل.. بطل لأني لسه عايش لحد النهاردة، وبطل لأني قدرت ادفن اخويا وانفذ وصيته، وكمان بطل عشان هزمتك وخليتك تفشل في إنك تاخد أعضاؤه وهو حي.. بس صدقني انا مايهمنيش اللي هشوفه برة، سواء بقى كنت هشتغل عبد ولا هياخدوا أعضائي ويدوها للناس العيانين عشان يعيشوا.. كل ده مايهمنيش، انا اللي يهمني إني حافظت على جسم اخويا، حتى لو جسمي وروحي هيكونوا هم المقابل.
ضحك شفيع بصوت عالي…
-يا ابني
انت عبيط!.. الأبطال مالهمش مكان في المستنقع اللي احنا عايشين فيه ده، اللي بيعيش وبيفضل عايش هو الندل، التاجر الشاطر اللي يستغل كل حاجة حواليه لمصلحته، زماننا ده يا محمود مابقاش زمن أبطال.. بقى زمن تُجار وسماسرة، وانت للأسف بطل شاطر.. لكنك برضه تاجر حمار، حسبتها غلط، ونتيجة حسبتك الغلط.. هتكون بعد ساعات في
المركب اللي هتنقلك لجهنم.
سكت شوية وقرب اللاسلكي من بوقه..
-يا غفير… خلي العربيات تجهز، هننقل العبيد ونوديهم على الشط عشان يلحقوا
المركب اللي هتوصل بعد ساعات.
لكن الغريب بقى كان رد الغفير عليه من الناحية التانية لما قال له..
-لا لا.. مركب ايه يا شفيع بيه، ده في مصيبة حصلت،
المركب الامريكية اللي جاية لنا اتعرضت لقرصنة من مركب روسي، وبسبب كده امريكا أعلنت الحرب على روسيا وضربتها بصاروخين نووي، فروسيا قالت إنها هتضرب امريكا بكل ترسانتها النووية وهتخفيها من على الأرض خالص.
ابتسمت لما سمعت الكلام ده، وفي المقابل ارتبك شفيع وابتدى يعرق وهو بيرد على الغفير في اللاسلكي..
-وانت.. وانت عرفت الكلام الاهبل ده منين، مش جايز تكون أشاعات او تكون مجرد حرب كلامية والسلام!
لكن الغفير رد بصوت مرتبك وخايف..
-والله أبدًا.. اللي قال لي كده هم بحارة رووس وصلوا عند الشط من شوية،
المركب بتاعتهم كانت هتتعرض للقصف فغيروا مسارها ورسيوا في بلدنا.. يا شفيع بيه خلاص، شكلها الحرب العالمية الرابعة.. وخلاص الدنيا هتنتهي، احنا مش عارفين هنعمل ايه ولا هنتصرف ازاي.. دي روسيا لو ضربت امريكا بكل تراسنتها النووية مش هتبيدها هي وبس لا، دي هتبيد كل المتبقي من البشر واليابس.. يا شفيع بيه احنا.. شششششششش.
سكت الغفير واتبدل صوته ب وَش، وقتها الارتباك زاد في المكان، شفيع رمى اللاسلكي وطلع يجري هو والغفر.. وفي لحظة الارض اتهزت بزلزال قوي اوي.. بعده ابتديت اسمع من برة المكان أصوات
صرخات وانفجارات، بعدهم سمعت صوت انفجار كبير اوي بسببه لقيت شفيع واللي معاه داخلين يجروا على الأوضة اللي انا فيها وهم بيصرخوا.. وشوشوهم كانت متشوهة وكأنهم اتعرضوا لحريق.. ايوة.. خلاص… دي الحرب العالمية الرابعة جاية وجايبة معاها النهاية لجنسنا كله، الهزات الأرضية بتزيد.. أصوات الصرخات بتعلى، شفيع واللي معاه بيصرخوا اكتر.. وانا لساني مابطلش دعاء لحد ما سمعت من بعيد صوت انفجار كبير وبعده صوت انفجار تاني أقرب، وبعدهم صوت انفجار قريب اوي ومعاه الدنيا ضلمت للأبد…
(محمود.. يامحمود.. يا جدع
انت قوم بقى، الله يخربيت النت على اللابتوب على القراية اللي هتلحس نظرك دي..)
فتحت عيني لقيت نفسي نايم على سريري ومراتي بتصحيني!
قومت وانا مذهول ومش مصدق، معقول… معقول يكون كل اللي شوفته ده كان حلم!
بصيت لمراتي ورجعت بصيت للابتوب اللي كان جنبي على السرير، ايوة ايوة افتكرت.. انا نمت وانا بقرأ مقال بحثي على الانترنت، والمقال ده كان بيتكلم على نموذج مُحاكاه عاملينه اتنين علماء، والاتنين علماء دول كانوا بيتوقعوا إن الأرض هتفضل في ظلام لمدة عشر سنين لو قامت الحرب النووية بين دولة الهند ودولة باكستان..
-استغفر الله العظيم.. كان كابوس مرعب يا غادة، كابوس تقدري تقولي كده إنه مرعب اكتر من أي فيلم اجنبي رعب ممكن اكون شوفته في حياتي.
ضحكت مراتي وهي بتشيل اللاب توب من جنبي وبتقفله..
-طب يا سيدي، الحمد لله إنه طلع كابوس.. قوم بقى يلا واخرج الصالة عشان اخوك طه عايزك برة.
خبطت بإيدي على راسي بعد ما بصيت للساعة..
-ااه.. طه.. النهاردة الساعة ٢ الضهر عندنا اجتماع في الشركة مع التاجر المنافس لينا، شفيع عبد الباري.. اهو الراجل ده يا غادة بعد سنين من المنافسة، قرر اخيرًا إنه يعمل بورتوكول تعاون مع شركتنا.
طبطبت عليا مراتي وهي بتقولي..
-ربنا يوفقك يا حبيبي ويبعد عنك
انت واخواتك.. طه ومصطفى كل شر، ويقرب منكم الخير.. يلا بقى اخرج لطه عشان مستنيك بقاله شوية.
قومت من على سريري وروحت ناحية الحمام، غسلت وشي وخرجت قعدت مع طه اخويا اللي بعد ما سلم عليا قال لي واحنا بنقعد..
-انا جيتلك يا سيدي عشان عارف إنك هتفضل نايم لحد ما انا اجي واصحيك، يلا بقى قوم افطر كده والبس عشان نلحق نروح الشركة ونقعد مع مصطفى اخونا ونحضر للاجتماع قبل ما شفيع يجي.. مالك يا محمود، عينيك شاردة كده
ليه ومش مركز
معايا،
انت كويس!.. فيك حاجة طيب؟!
مسحت وشي بإيديا وبعد كده قولتله..
-مش عارف يا طه.. امبارح قبل ما انام، وزي عادتي كل ليلة يعني، قعدت اقرا شوية مقالات على النت.. ما
انت عارف اني بحب القراية من زمان، بس المرة دي وانا بقرأ سرحت في قراية مقال غريب اوي.. المقال ده كان بيتكلم عن نموذج مُحاكاه عملوه اتنين علماء أجانب.. واحد إسمه (ألان روبوك) والتاني إسمه (لوك أومان).. والنموذج ده هو عبارة عن مُحاكاه لأجواء كوكب الأرض إذا حصلت حرب نووية بين دولتين زي الهند و باكستان، وكانت نتيجة النموذج، أنهم اكتشفوا بإن كوكب الأرض هيعيش في ظلام تام، وشتا لمدة ١٠ سنين بسبب غيوم سودة ضخمة هتتكون في السما، و ده هيتسبب في جوع وفقر وموت مليارات الأشخاص، وده بعد ما طبعًا الملايين هيموتوا بسبب التأثيرات النووية، بس تعرف المشكلة في ايه بقى.. المشكلة في إن انا نمت وانا بقرا المقال ده، وبمجرد ما غمضت عيني حلمت بأن الحرب قامت وإن الدنيا خربت خلاص، بس تعرف ياض يا طه..
انت كنت ندل اوي في الحلم.
ضحك طه وقام قعد جنبي وهو بيقولي..
-جرى ايه يا جدع
انت، بقى حتة كابوس ومقال من الهري اللي بيتكتب على النت ده، يعملوا فيك كده.. قوم يا سيدي افطر يلا وانا هقعد اتفرج على التلفزيون لحد ما تجهز.. يلا ورانا شغل.
مسك طه الريموت وشغل التلفزيون وفضل يقلب بين قنواته، وقتها بصيتله وقولتله..
-مش عارف يا طه.. الكابوس كان حقيقي اوي، انا حسيت إنه واقع مش مجرد حلم، تفتكر ممكن الحرب دي تحصل في يوم من الأيام، وهل لو حصلت اصلًا ممكن يحصل اللي توقعوه العلماء دول، وبعدين مش عارف.. انا
ليه قايم من النوم ومصدق اوي اللي انا شوفته في الحلم ده كده
ليه.. داهية سودة لا يكون اللي قريته قبل كده صح.. انا قبل كده قريت في مقال برضه، إن الأحلام اللي بنشوفها دي مش مجرد ذكريات ولا حاجات متخزنة في عقلنا الباطن وبس… دي ممكن تكون صور من بُعد موازي لعالمنا واحنا فعلًا عايشينه او لسه هنعيشه، وله يا طه..
انت مابتردش
ليه ياض، مالك مبرق في التلفزيون كده ليه؟!
بصيت ناحية التلفزيون وساعتها برقت انا كمان، القناة اللي كانت شغالة هي قناة أخبارية عالمية، المذيع فيها كان واقف بيتكلم عن خبر عاجل وهو متوتر وقلقان، والخبر ده كان بالنسبة لي كارثي لأنه بيقول ببساطة كده إن من دقايق، المناواشات اللي ما بين الهند وباكستان قلبت بجد، وواحدة من الدولتين ضربت التانية بتلات صواريخ نووية.. وفي المقابل، فالدولة التانية بتحضر ترسانتها النووية بالكامل عشان ترد الهجوم.. وعلى الناحية التانية، فالأمم المتحدة بتحاول تهدي الأجواء، لكن الدولتين رفضوا إنهم يسمعوا لأي كلام من أي دوبلوماسي لأنهم اساسًا مش مشتركين في اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية!
وقتها بصيت لاخويا اللي لقيته باصص لي ووشه كله مليان عرق وبينهج بخوف وقلق..
-ايه ده يا محمود.. الحرب ال..
قاطعته وانا ببص للتلفزيون وبعد كده بصيتله تاني..
-الحرب النووية هتبدأ.. والغيوم جاية ومعاها النهاية…
تمت
#محمد_شعبان